الحب .. أعمى

موضوع: الحب .. أعمى الجمعة يوليو 02, 2010 9:21 pm

الحب .. أعمى
كان جميع من في القصر يترقب بشوق وشغف وفضول انتظار وصول أمير البلاد العاشق الذي ذهب منذ زمن ليس بعيد يبحث عن زوج له .. الكل كان بالانتظار . الملك والملكة وابنتهم الأميرة وكل وزراء وحاشية القصر وأفراد الرعية .. الكل كان يترقب على أعصابه .. والكل راح يتخيل صورة وشكل الأميرة التي سيختارها أمير البلاد .. فمنهم من تخيلها ممشوقة القوام .. بيضاء البشرة .. شقراء الشعر .. دعجاء العينين بلونهما الأزرق اللتين تشبهان زرقة البحر والسماء .. والبعض تخيلها سمراء بشعر أسود غجري سرق لونه من عتمة الليل مسدل على ظهرها كغرة فرس عربي أصيل .. وبعينين حوراوتين فيهما تجمع سحر الشرق كله .. والبعض تخيل .. وآخرون سرحوا وتخيلوا .. وسرعان ماقطع تخيلهم وسرحانهم صوت أبواق القصر معلنة وصول الأمير العاشق مع عروسه الجميلة .. المتخيلة .
دخل الأمير بعروسه باب القاعة الملكية الرئيسية على أصوات الأبواق والفرقة الموسيقية الملكية فانحنى الجميع إلا الأسرة الحاكمة والوحيدة التي يحق لها مايحق للآخرين .. ومع دهشة الملكة وصرختها التي صدرت منها غصبا عنها (ولي ) بدأ الجميع برفع رأسه رويدا رويدا .. وراحو يختلسون النظر ويسترقون السمع .. ( مين هي ) سألت الملكة : باستغراب ونفور وازدرء .. ونظرت لزوجها الملك علّه ينطق بحرف ويساعدها على فك هذه الطلاسم الماثلة أمام عينها .. لكنه لم ينبس ببنت شفة ولم يحرك ساكنا وينطق بحرف .. فاستعانت بابنتها الأميرة التي لم تلقي بالا لما أزعج أمها .. بل كانت تنظر باعجاب وسرور لما تراه .. ( مين هي ) سألت الملكة ثانية : فرد الأمير العاشق باستغراب أكبر من استغراب أمه : زوجتي ومليكة قلبي وأميرة حبي .. فردت الملكة مستنكرة : (هي ) ومع سؤالها كان كل من في القاعة قد شد من هامته ووقف ليتأمل الأميرة العروس وليتأكد سبب إلحاح الملكة بأسئلتها لابنها وليعرف سبب انزعاجها .. وبعد ثوان قصيرة عرف السبب .. وبطل العجب ..
لم تكن الأميرة المنتقاة تطابق الوصف المتخيل لها من قبل الجميع .. كانت فتاة عادية بجمال أقل من عادي .. سمراء البشرة أقرب للزنوج منها إلى اللون الأسمر .. متوسطة القامة .. مكتنزة اللحم بعض الشيء أميل للسمنة منها إلى القوام الملفوف وهذه المواصفات بحد ذاتها من طير صواب الملكة وأفقدها رشدها واتزانها .
اقتربت الأميرة خطوتين من العرش الملكي وانحنت أمام الملك والملكة التي مازالت علامات الغضب والانزعاج بادية عليها الانحناءة الملكية حسب المراسم والبروتوكولات الرسمية للمملكة ومع اقترابها لاحت لها أن الأميرة العروس سمراء .. سوداء بل بشكل أدق للوصف الذي يطابق ما رأته الملكة زنجية .. واقتربت من ابنها وهمست بأذنه بفحيح غاضب .. ( لك شبك .. كنك مابتشوف منيح .. لك طلّع إلها دقن وشوارب .. وشعرا قاسي متل كبابة الشوك ) وهنا اقتربت الأميرة الأخت وهمست بهدوء ( ماما .. مابقى حدن يوقف عند هالشغلات .. بكم جلسة ليزر .. بتزبط) وهنا جن جنون الملكة الأم ولم تعد تحتمل فلكزت الملك الأب بكوعها: ( لك شبك .. ماتحكيلك كلمة .. عاجبك هالشي ) ولما أحست بعجزه تركت القاعة الملكية وسرّعت خطاها نحو مخدعها غضبة .
انفضت القاعة الملكية بكل من مافيها وغادر الجميع على وقع الحدث الجلل الذي أصاب المملكة وأزعجها .. ولم يبق إلا الملك وابنته الأميرة والأمير العريس وزوجه الذين ران عليهم صمت مطبق للحظات من هول ماجرى ..
تقدم الأمير من حبيبته وعروسه واختيار قلبه وعقله مرتبكا ومعتذرا من تصرف أفراد مملكته ورعيته وعلى رأسهم والدته الملكة .. شارحا ومبررا لها أن جمالها ونعومتها وأنوثتها السبب في جعلهم يتصرفون معها بغرابة على هذا الشكل .. لم تصدق الأميرة العروس كلمة واحدة من تبرير أميرها وحبيبها لكنها تظاهرت بذلك وانسحبت بصمت ذليل لغرفتها ترافقهن وصيفاتها مأزومة ومأذونة من أميرها العاشق الذي اتجه مع أبيه وابنته لمخدع الملكة والتي بمجرد وصولهم استقبلتهم بعاصفة مدوية غاضبة من التأنيب والتقريع واللوم لما جرى في القاعة .. وعادت لنغمتها الأولى مع ابنها : ( ماشفت أحلى من هيك بين كل الأميرات .. لك ابني هي بتخوف.. لك هي إلها .. ) وهنا تدخل الأب الملك ولأول مرة مساندا زوجته : ( أمك معها حق ولك ابني .. يعني ..) وهنا استعان الأمير بأخته التي شعرأنها تتفهم موقفه وإن كان يجهل سبب ذلك والتي كانت خير الأخت والمعين : ( ياجماعة .. أنتو مكبرين المسألة أكتر من اللازم .. خلص هي عاجبتو وهوي عاجبا ) قالت الأخت لأبيها .. وأمها التي زجرتها بنظرة غاضبة وملمحة ومتوعدة أنها ستفشي سرها وحبها لابن بستاني القصر والتفت بحركة سريعة نحو الملك ( أنا هادا الكلام مابفهمو .. لاقيلك حل ) .
احتار الملك وحيره وأربكه طلب الملكة التي لم يتعود في حياته .. أقصد لم يجرأ أن يرفض لها طلبا وراح يهرش رأسه ويحك مخيلته مفكرا بحل لهذه المعضلة العويصة التي أوقعه بها ابنه الأمير .. وأخيرا لمعت في ذهنه فكرة الحل .. (خلص .. بكره رح بجمع عرافين وسحرة القصر .. ليشوفلونا حل لها المشكلة ) .
هنا انفجر الأمير العاشق ولأول مرة في حياته علا صوته وهياجه في القصر وفي حضرة أمه وأبيه مستغربا منهم موقفهم تجاه أميرته واختيار قلبه وعقله .. ( خلصنا بقا .. هي اللي حبا قلبي واختارا عقلي .. انتهينا )
لم يعجب ويقنع كلامه الملكة الأم التي ازداد حنقها وغضبها أكثر لتحدي ابنها وصرخت بالملك الأب ( سمعت .. ابنك عم يتحدّانا .. تصرف أحسن ما .. ) قطع الأمير العاشق وعيدها وتهديدها ملتفتا على أبيه .. ( أنا عندي الحل ) انفرجت أسارير الأب لعودة صواب ابنه ورشده وتخليصه من هذه الطامّة التي أوقعه بها وشخصت عيناه بانتظار ماسيقوله ابنه ..
إن أردتم الحل فالحل بسيط جدا وأسهل مما تظنون .. كل ما عليكم فعله أن تنزعوا عيني وتحت وقع كلامه واستغراب والديه منه تابع مؤكدا .. نعم عيني .. خذوهما لتروا بهما كيف رأيت وصرت أرى من اخترت وأحببت .. واختار قلبي وعقلي .. رغم دهشتهم وسكونهم سكون من وقع الطير على رأسه تابع يقول : صدقوني أنا لست بحاجة إليهما .. لأني سأبقى أراها جميلة وأجمل امرأة في الدنيا وكما رأيتها لأول مرة .. فالحب لايحتاج لعيون ..
أليس الحب أعمى .. كما يقولون ؟؟؟